فصل: تفسير الآيات (102- 111):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (102- 111):

{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {بلغ معه السعي} قال: العمل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {فلما بلغ معه السعي} قال: أدرك معه العمل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فلما بلغ معه السعي} قال: لما مشى مع أبيه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه {فلما بلغ معه السعي} قال: لما مشى، فأسر في نفسه حزناً في قراءة عبد الله {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {فلما بلغ معه السعي} قال: لما شب حتى أدرك سعيه، سعى إبراهيم في العمل {فلما أسلما} قال: سلما ما أمرا به {وتله للجبين} قال: وضع وجهي للأرض. ففعل، فلما أدخل يده ليذبحه {نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} فأمسك يده ورفع رأسه، فرأى الكبش ينحط إليه حتى وقع عليه، فذبحه.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أراد إبراهيم عليه السلام أن يذبح إسحاق قال لأبيه: إذا ذبحتني فاعتزل لا أضطرب، فينتضح عليك دمي فشده، فلما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه، نودي من خلفه {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا}.
وأخرج أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم أتى به الجمرة القصوى، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع فساخ، فلما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق عليهما السلام قال لأبيه: يا أبت أوثقني لا أضطرب، فينتضح عليك دمي إذا ذبحتني فشده، فلما أخذ الشفرة فأراد أن يذبحه، نودي من خلفه {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا}».
وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما {وإن من شيعته لإِبراهيم} قال: من شيعة نوح على منهاجه وسننه {بلغ معه السعي} شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم في العمل {فلما أسلما} سلما ما أمرا به {وتله} وضع وجهه للأرض فقال: لا تذبحني وأنت تنظر، عسى أن ترحمني فلا تجهز علي، وإن أجزع فانكص فامتنع منك، ولكن أربط يدي إلى رقبتي، ثم ضع وجهي إلى الأرض، فلما أدخل يده ليذبحه فلم تصل المدية حتى نودي {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} فأمسك يده فذلك قوله: {وفديناه بذبح عظيم} بكبش {عظيم} متقبل.
وزعم ابن عباس رضي الله عنهما أن الذبيح إسماعيل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا الأنبياء وحي».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال: رؤيا الأنبياء وحي. ثم تلا هذه الآية {إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: رؤيا الأنبياء عليهم السلام حق. إذا رأوا شيئاً فعلوه.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أمر إبراهيم عليه السلام بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى، فسابقه، فسبقه إبراهيم عليه السلام، ثم ذهب به جبريل عليه السلام إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات {وتله للجبين} وعلى إسماعيل عليه السلام قميص أبيض فقال: يا أبت ليس لي ثوب تكفني فيه غيره، فاخلعه حتى تكفني فيه، فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} فالتفت فإذا كبش أبيض، أعين، أقرن، فذبحه.
وأخرج ابن جرير والحاكم من طريق عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه قال: المفدى إسماعيل، وزعمت اليهود أنه إسحاق. وكذبت اليهود.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه من طريق الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح إسماعيل عليه السلام.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح إسماعيل عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن مهران وأبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح إسماعيل عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قالا: الذي أراد إبراهيم عليه السلام، ذبحه إسماعيل عليه السلام.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي ومجاهد والحسن ويوسف بن مهران ومحمد بن كعب القرظي، مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله: {وفديناه بذبح عظيم} قال: إسماعيل ذبح عنه إبراهيم الكبش.
وأخرج ابن جرير والآمدي في مغازيه والخلعي في فوائده والحاكم وابن مردويه بسند ضعيف عن عبد الله بن سعيد الصنابحي قال: حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق أيهما الذبيح؟ فقال معاوية: سقطتم على الخبير كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي فقال: يا رسول الله خلفت الكلأ يابساً، والماء عابساً، هلك العيال، وضاع المال، فعد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه فقال القوم: من الذبيحان يا أمير المؤمنين؟ قال: إن عبد المطلب لما حفر زمزم، نذر لله إن سهل حفرها أن ينحر بعض ولده، فلما فرغ أسهم بينهم وكانوا عشرة، فخرج السهم على عبد الله، فأراد ذبحه، فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: ارضِ ربك وافْدِ ابنك. ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح، وإسماعيل الثاني.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: إن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل، وانا لنجد ذلك في كتاب الله، وذلك إن الله يقول حين فرغ من قصة المذبوح {وبشرناه بإسحاق} وقال: {فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [ هود: 71] بابن، وابن ابن، فلم يكن يأمر بذبح إسحاق وله فيه موعود بما وعده، وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل.
وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال سألت خوات بن جبير رضي الله عنه عن ذبيح الله قال: إسماعيل عليه السلام لما بلغ سبع سنين رأى إبراهيم عليه السلام في النوم في منزله بالشام أن يذبحه، فركب إليه على البراق حتى جاءه، فوجده عند أمه، فأخذ بيديه، ومضى به لما أمر به، وجاء الشيطان في صورة رجل يعرفه، فذبح طرفي حلقه، فإذا هو نحر في نحاس، فشحذ الشفرة مرتين أو ثلاثاً بالحجر ولا تحز قال إبراهيم: إن هذا الأمر من الله، فرفع رأسه، فإذا هو بوعل واقف بين يديه فقال إبراهيم: قم يا بني قد نزل فداؤك، فذبحه هناك بمنى.
وأخرج الحاكم بسندٍ فيه الواقدي من طريق عطاء بن يسار رضي الله عنه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: الذبيح إسماعيل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد والحسن رضي الله عنهما قال: الذبيح إسماعيل.
وأخرج عبد بن حميد من طريق الفرزدق الشاعر قال: رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إن الذي أمر بذبحه إسماعيل.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن محمد بن كعب رضي الله عنه، أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أرسل إلى رجل كان يهودياً، فاسلم وحسن إسلامه، وكان من علمائهم فسأله: أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: إسماعيل والله يا أمير المؤمنين، وإن اليهود لتعلم بذلك، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب.
وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال نبي الله داود: يا رب أسمع الناس يقولون رب إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، فاجعلني رابعاً قال: إن إبراهيم ألقي في النار فصبر من أجلي، وإن إسحاق جاد لي بنفسه، وإن يعقوب غاب عنه يوسف، وتلك بلية لم تَنَلكَ».
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال: قال موسى عليه السلام: يا رب يقولون يا رب إبراهيم وإسحاق، ويعقوب، لأي شيء يقولون ذلك؟ قال: لأن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً إلا اختارني عليه، وإن إسحاق جاد لي بنفسه فهو على ما سواه أجود، وأما يعقوب فما ابتليت ببلاء إلا ازداد بي حسن الظن.
وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن داود سأل ربه مسألة فقال: اجعلني مثل إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، فأوحى الله إليه أني: ابتليت إبراهيم بالنار فصبر، وابتليت إسحاق بالذبح فصبر، وابتليت يعقوب فصبر».
وأخرج الدارقطني في الأفراد والديلمي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذبيح إسحاق».
وأخرج ابن مردويه عن بهار وكانت له صحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إسحاق ذبيح».
وأخرج عبد بن حميد والطبراني عن أبي الأحوص قال: فاخر أسماء بن خارجة عند ابن مسعود فقال: أنا ابن الأشياخ الكرام فقال ابن مسعود رضي الله عنه: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق، ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟ قال يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله».
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي، أو شفاعتي، فاخترت شفاعتي، ورجوت أن تكون أعم لأمتي، ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لعجلت دعوتي، إن الله لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له: يا ابا إسحاق سل تعطه قال: أما والله لا تعجلها قبل نزغات الشيطان، اللهم من مات لا يشرك بك شيئاً قد أحسن، فاغفر له».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن كعب رضي الله عنه. أنه قال لأبي هريرة: ألا أخبرك عن إسحاق؟ قال: بلى. قال: رأى إبراهيم أن يذبح إسحاق، قال الشيطان: والله لئن لم أفتن عند هذه آل إبراهيم لا أفتن أحداً منهم أبداً، فتمثل الشيطان رجلاً يعرفونه، فاقبل حتى خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه دخل على سارة، فقال: أين أصبح إبراهيم غادياً بإسحاق؟ قالت: لبعض حاجته قال: لا والله قالت: فَلِمَ غدا؟ قال: ليذبحه قالت: لم يكن ليذبح ابنه! قال: بلى والله قالت سارة: فلم يذبحه؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك قالت: قد أحسن أن يطيع ربه إن كان أمره بذلك.
فخرج الشيطان، فأدرك إسحاق وهو يمشي على أثر أبيه قال: أين أصبح أبوك غادياً؟ قال: لبعض حاجته قال: لا والله بل غدا بك ليذبحك قال: ما كان أبي ليذبحني، قال: بلى قال: لِمَ؟ قال: زعم أن الله أمره بذلك قال إسحق: فوالله لئن أمره ليطيعنه.
فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم، فقال أين أصبحت غادياً بابنك؟ قال: لبعض حاجتي قال: لا والله ما غدوت به إلا لتذبحه. قال: ولِمَ أذبحه؟ قال: زعمت أن الله أمرك بذلك فقال: والله لئن كان الله أمرني لأفعلن. قال فتركه ويئس أن يطاع، فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه، وسلم إسحاق عافاه الله، وفداه بذبح عظيم. فقال: قم أي بني فإن الله قد عافاك، فأوحى الله إلى إسحاق: أني قد أعطيتك دعوة استجيب لك فيها قال: فإني أدعوك أن تستجيب لي. أيما عبد لقيك من الأوّلين والآخرين لا يشرك بك شيئاً، فادخله الجنة.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر عن علي رضي الله عنه قال: الذبيح إسحاق.
وأخرج عبد الرزاق والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الذبيح إسحاق.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: الذبيح إسحاق.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: الذبيح إسحاق.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: لما رأى إبراهيم عليه السلام في المنام ذبح إسحاق، سار به من منزله إلى المنحر بمنى مسيرة شهر في غداة واحدة، فلما صرف عنه الذبح، وأمر بذبح الكبش، ذبحه ثم راح به، وراحا إلى منزله في عشية واحدة مسيرة شهر طويت له الأودية والجبال.
وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أن يذبح إسحاق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مسروق رضي الله عنه قال: الذبيح إسحاق.
وأخرج ابن عساكر عن نوح بن حبيب قال: سمعت الشافعي يقول كلاماً ما سمعت قط أحسن منه، سمعته يقول: قال خليل الله إبراهيم لولده في وقت ما قص عليه ما رأى ماذا ترى؟ أي ماذا تشير به، ليستخرج بهذه اللفظة منه ذكر التفويض، والصبر، والتسليم، والانقياد لأمر الله، لا لمواراته لدفع أمر الله تعالى، {يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} قال الشافعي رضي الله عنه: والتفويض هو الصبر، والتسليم هو الصبر، والانقياد هو ملاك الصبر، فجمع له الذبيح جميع ما ابتغاه بهذه اللفظة اليسيرة.
وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن فضيل بن عياض قال: أضجعه ووضع الشفرة، فاقلب جبريل الشفرة، فقال: يا أبت شدني فإني أخاف أن ينتضح عليك من دمي، ثم قال: يا أبت حلني فإني أخاف أن تشهد عليَّ الملائكة أني جزعت من أمر الله تعالى.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: أتى إبراهيم في النوم فقيل له: أوف بنذرك الذي نذرت. إن الله رزقك غلاماً من سارة أن تذبحه. فقال: يا إسحاق انطلق فقرب قرباناً إلى الله، فأخذ سكيناً وحبلاً ثم انطلق به، حتى إذا ذهب به بين الجبال قال الغلام: يا أبت أين قربانك؟ {قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} قال له إسحاق: يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، وأكفف عني ثيابك حتى لا ينضح عليها من دمي شيء، فتراه سارة فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون للموت عليَّ فإذا أتيت سارة، فاقرأ عليها السلام مني. فأقبل عليه إبراهيم بقلبه وهو يبكي، وإسحاق يبكي، ثم إنه جر السكين على حلقه، فلم تنحر، وضرب الله على حلق إسحاق صفيحة من نحاس، فلما رأى ذلك ضرب به على جبينه، وحز من قفاه. وذلك قول الله: {فلما أسلما} يقول: سلما لله الأمر {وتله للجبين} فنودي يا إبراهيم {قد صدقت الرؤيا} بإسحاق، فالتفت فإذا هو بكبش، فأخذه وحل عن ابنه، وأكب عليه يقبله، وجعل يقول: اليوم يا بني وهبت لي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: إن الله لما أمر إبراهيم بذبح ابنه قال له: يا بني خذ الشفرة فقال الشيطان: هذا أوان أصيب حاجتي من آل إبراهيم، فلقي إبراهيم متشبهاً بصديق له، فقال له: يا إبراهيم أين تعمد؟ قال: لحاجة قال: والله ما تذهب إلا لتذبح ابنك من أجل رؤيا رأيتها، والرؤيا تخطئ وتصيب، وليس في رؤيا رأيتها ما تذهب إسحاق، فلما رأى أنه لم يستفد من إبراهيم شيئاً؛ لقي إسحاق، فقال: أين تعمد يا إسحاق؟ قال: لحاجة إبراهيم قال: إن إبراهيم إنما يذهب بك ليذبحك فقال إسحاق: وما شأنه يذبحني، وهل رأيت أحداً يذبح ابنه؟ قال: يذبحك لله قال: فإن يذبحني لله أصبر والله لذلك أهل، فلما رأى أنه لم يستفد من إسحاق شيئاً جاء إلى سارة فقال: أين يذهب إسحاق؟ قالت: ذهب مع إبراهيم لحاجته فقال: إنما ذهب به ليذبحه فقالت: وهل رأيت أحداً يذبح ابنه؟ قال: يذبحه لله قالت: فإن ذبحه لله، فإن إبراهيم وإسحاق لله، والله لذلك أهل، فلما رأى أنه لم يستفد منهما شيئاً أتى الجمرة، فانتفخ حتى سد الوادي، ومع إبراهيم الملك فقال الملك: ارم يا إبراهيم، فرمى بسبع حصيات، يكبر في أثر كل حصاة، فأفرج له عن الطريق، ثم انطلق حتى أتى الجمرة الثانية، فانتفخ حتى سد الوادي فقال له الملك: ارم يا إبراهيم، فرمى بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، فافرج له عن الطريق، ثم انطلق حتى أتى الجمرة الثالثة، فانتفخ حتى سد الوادي عليه فقال له الملك: ارم يا إبراهيم فرمى بسبع حصيات، يكبر في أثر كل حصاة، فأفرج له عن الطريق حتى أتى المنحر.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما سميت تروية، وعرفة، لأن إبراهيم عليه السلام أتاه الوحي في منامه: أن يذبح ابنه، فرأى في نفسه أمن الله هذا، أم من الشيطان؟ فاصبح صائماً، فلما كان ليلة عرفة أتاه الوحي، فعرف أنه الحق من ربه، فسميت عرفة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فلما أسلما} قال: أسلم هذا نفسه لله، وأسلم هذا ابنه لله {وتله} أي كبه لفيه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله: {فلما أسلما} قال: اتفقا على أمر واحد {وتله للجبين} قال: أكبه للجبين.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وتله للجبين} قال: أكبه على وجهه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وتله للجبين} قال: صرعه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قال: لما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه قال: يا أبتاه خذ بناصيتي، واجلس بين كتفي حتى لا أؤذيك إذا مسني حر السكين، ففعل، فانقلبت السكين قال: ما لك يا أبتاه؟ قال: انقلبت السكين قال: فاطعن بها طعناً قال: فتثنت قال: ما لك يا أبتاه؟ قال: تثنت، فعرف الصدق، ففداه الله بذبح عظيم، وهو إسحاق.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وتله للجبين} قال: ساجداً.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح رضي الله عنه قال: لما أن وضع السكين على حلقه، انقلبت صارت نحاساً.
وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن حاضر قال: لما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه إسحاق ترك أمه سارة في مسجد الخيف، وذهب بإسحاق معه، فلما بلغ حيث أراد أن يذبحه قال إبراهيم لمن كان معه: استأخروا مني، وأخذ بيد ابنه إسحاق، فعزله فقال: يا بني {إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} قال له إسحاق: يا أبتِ ربي أمرك قال إبراهيم: نعم يا إسحاق. قال إسحاق: {افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما} لأمر الله {وتله} قال إسحاق لأبيه: يا أبتِ أوثقتني لأطيش بك نودي {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} وهبط عليه الكبش من ثبير، وقد قيل: إنه ارتعى في الجنة أربعين سنة، فلما كشف عن إسحاق دعا ربه، ورغب إليه، وحمده، وأوحى إليه: أن أدع فإن دعاءك مستجاب، فقال: اللهم من خرج من الدنيا لا يشرك بك شيئاً فادخله الجنة. قال ابن خاضر: إن إبراهيم كان قال لربه: يا رب أي ولدي أذبح؟ فأوحى الرب إليه: أحبهما إليك.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه: أن داود قال: يا رب إن الناس يقولون رب إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، فاجعلني لهم رابعاً. فأوحى الله إليه: أن تلك بلية لم تصل إليك بعد. إن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً إلا اختارني، ووفى بجميع ما أمرته. وإن إسحاق جاد لي بنفسه. وإن يعقوب أخذت خاصته، غيبته عنه طول الدهر، فلم ييأس من روحي.
وأخرج سعد بن منصور وابن المنذر عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: خرج إبراهيم عليه السلام بابنه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، فتمثل له الشيطان في صورة رجل، فقال له: أين تذهب؟ فقال إبراهيم: عليه السلام ما لك ولذلك... ! اذهب في حاجتي قال: فإنك تزعم أنك تذهب بابنك فتذبحه قال: والله إن كان الله أمرني بذلك أني لحقيق أن أطيع ربي، ثم ذهب إلى ابنه وهو وراءه يمشي، فقال له: أين تذهب؟ قال: اذهب مع أبي فقال: إن أباك يزعم أن الله أمره بذبحك، فقال له مثل ما قال إبراهيم، ثم انطلق إبراهيم عليه السلام، حتى إذا كانوا على جبل قال لابنه {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} ويا أبت أوثقني رباطاً، لا ينتضح عليك من دمي، فقام إليه إبراهيم بالشفرة، فبرك عليه، فجعل ما بين ليته إلى منحره نحاساً لا تحيك فيه الشفرة، ثم إن إبراهيم التفت وراء، فإذا هو بالكبش فقال له: أي بني قم فإن الله فداك، فذبح إبراهيم الكبش، وترك ابنه، ثم إن إبراهيم عليه السلام قال: يا بني إن الله قد أعطاك بصبرك اليوم، فسل ما شئت تعطى قال: فإني أسأل الله أن لا يلقاه له عبد مؤمن به، يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلا غفر له وأدخله الجنة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي رضي الله عنه في قوله: {وفديناه بذبح عظيم} قال: كبش أبيض، أعين، أقرن، قد ربط بسمرة في أصل ثبير.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وفديناه بذبح عظيم} قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفاً.
وأخرج البخاري في تاريخه عن علي بن أبي طالب قال: هبط الكبش الذي فدى ابن إبراهيم من هذه الخيبة، على يسار الجمرة الوسطى.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الصخرة التي بمنى بأصل ثبير، هي التي ذبح عليها إبراهيم عليه السلام فدى ابنه إسحاق، هبط عليه من ثبير كبش أعين، أقرن، له ثغاء، وهو الكبش الذي قربه ابن آدم، فتقبل منه، وكان مخزوناً في الجنة حتى فدى به إسحاق عليه السلام.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والبيهقي في سننه عن امرأة من بني سليم قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة، فسألت عثمان لما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت الكعبة، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلين».
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فدى الله إسماعيل عليه السلام بكبشين، أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، أَعْيَنَيْنِ.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {وفديناه بذبح عظيم} قال: بكبش متقبل.
وأخرج البغوي عن عطاء بن السائب رضي الله عنه قال: كنت قاعداً بالمنحر مع رجل من قريش، فحدثني القرشي قال: حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «إن الكبش الذي نزل على إبراهيم في هذا المكان».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وفديناه بذبح عظيم} قال: خرج عليه كبش من الجنة، وقد رعاها قبل ذلك أربعين خريفاً، فأرسل إبراهيم عليه السلام ابنه، واتبع الكبش، فأخرجه إلى الجمرة الأولى، فرماه بسبع حصيات، فأفلته عنده، فجاء الجمرة الوسطى، فأخرجه عندها، فرماه بسبع حصيات، ثم أفلته عند الجمرة الكبرى، فرماه بسبع حصيات، فأخرجه عندها، ثم أخذه، فأتى به المنحر من منى، فذبحه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: كان اسم كبش إبراهيم؛ جرير.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال له رجل: نذرت لأنحرن نفسي فقال ابن عباس رضي الله عنهما {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [ الأحزاب: 21] ثم تلا {وفديناه بذبحٍ عظيم} فأمره بكبش، فذبحه.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من نذر أن يذبح نفسه فليذبح كبشاً، ثم تلا {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
وأخرج الديلمي عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه «لما فدى الله إسحاق من الذبح، أتاه جبريل عليه السلام، فقال: يا إسحاق إنه لم يصبر أحد من الأولين والآخرين، يشهد أن لا إله إلا الله فاغفر له. سبقني أخي إسحاق عليه السلام إلى الدعوة».